المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسبين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
يعتبر الفن من أقدم المظاهر المعرفية وأكثرها شيوعاً في الحياة الإنسانية ومن المحال أن نجد مجتمعاً ما ومهما تدنى مستوى تطوره أن يخلو تماماً من أي شكل من أشكال التعبير الجمالي في الغناء أو الموسيقى لأننا في مثل هذا الحال نكون قد جردناه من إنسانيته خاصة وأن الغناء والموسيقى كانا ولا يزالان يمثلان ظاهرة سوسيولوجية تجد فيها الشعوب والأمم خصائص تميزها عن غيرها. ويعتقد علماء الأنثروبيولوجيا أن للموسيقى دوراً هاماً في تشكيل الذوق العام، وهذا بدوره يجب أن لا يقود إلى الاعتقاد والتصور بوجود جميع أشكال الفن عند مجتمع ما دون غيره.
فإن الموسيقى هي لغة التعبير العالمية، والموسيقى هي اللغة التي نسمعها في كل شيء في الحياة في المنزل من التلفزيون والكمبيوتر وفى العمل، و في رنات التليفون المحمول، وسائل المواصلات، الموسيقى غذاء للروح وشفاء للنفس، ملهمة الفنان، مفككة الأحزان، محركة الشعور، مهدئة الأعصاب، مقوية العزيمة، مبعدة الهزيمة، علاج المرضى.
يتذوقها الطفل الرضيع والشاب المراهق، الرجل العاقل والكهل المسن، كل على هواه. يطرب لسماعها كل إنسان أيا تكن البيئة التي ينتمي إليها أو اللغة التي يتكلم بها وكأنها وجدت قبل وجوده وجبلت وعجنت بدمه فأخذت من حواسه وتفكيره .
فإن الموسيقى قديمة قدم الإنسان، عرفتها جميع الشعوب منذ عصور التاريخ السحيقة وما قبل التاريخ، فهي من مستلزمات الحياة الفردية والاجتماعية لا يكاد يخلو منها زمان أو مكان. وقد أجمعت الدراسات النفسية في كل العصور على أن الموسيقى تلطف المشاعر وترهف الأحاسيس وتسمو بالنفوس وتبعث فيها النشوة والبسمة.
إن تاريخ الموسيقى العربية غامض المعالم, و ما يعرف عنه أن منطقة الشرق العربي قد عايشت ألوانا متعددة من فنون الموسيقى و صناعاتها المختلفة, غير أن المؤرخين دلوا على وجود )القينات( المغنيات, و وجود بعض الآلات الموسيقية كالمزهر و البربط ) 1(و المزمار و البوق ثم الطبل و الدف. و مما لاشك فيه أن عرب الجنوب كانت لهم موسيقاهم و آلاتهم الخاصة بهم، التي لا يذكر منها التاريخ إلا القليل. كما أن تراث عرب الشمال هو الذي مهد للموسيقى العربية التي ازدهرت إبان الحضارة الإسلامية، كما أن أطراف الجزيرة العربية في الشام و العراق و اليمن كان لهم موسيقاهم و أغانيهم, نظرا لاتصالهم بالشعوب الساسانية و البيزنطية بالإضافة إلى الرومانية و الإغريقية. إن التطور التاريخي لمنطقة الجزيرة العربية عرف خليطا من الفنون و خاصة منها على وجه التحديد الموسيقى بكل مكوناتها, و نسوق للدلالة التاريخية الحضارات التي عاشت على مسرح الجزيرة العربية قبل ميلاد المسيح عليه السلام: الحضارة الفارسية -6000 ق.م و الحضارة السوميرية 4000 ق.م و الحضارة الآشورية 3000 ق.م ثم الحضارة البابلية 2006 ق.م. و لا ننسى ما لهذه الشعوب من حضارات متميزة في تاريخ الإنسانية على الإطلاق. و يذكر أن الآلات الوترية ظهرت عند الفراعنة قبل 3400سنة ق.م. و أكد المؤرخون على أن منطقة الجزيرة العربية، قد كانت لها صلة وثيقة مع بلدان الشرق كالهند والصين خاصة في المجال التجاري، مما يجعلنا نجزم بأن قوافل العرب أتت بالكثير من الآلات الموسيقية و بعض طرق العزف عليها، و بعض أنواع الغناء، و تأثر بعض الموسيقيين و صانعي الآلات الموسيقية بها قبل ظهور الإسلام. و مع بداية العهد الإسلامي، نجد أن أمراء غسان قد اقتنوا أجواقا من القيان اليونانيات، أما اللخميون من أهل الحيرة فكانوا يعرفون آلة العود التي أخذها عنهم أهل الحجاز. و نرى واضحا ما أتى به من.